الجمعة، فبراير ٢٠، ٢٠٠٩

ربيـــــع العمـــــر " خواطـــــر مُســـــن"

ربيـــــع العمـــــر

" خواطـــــر مُســـــن"


بقلم /عبد الله إسماعيل أبو سيف

كتبت في 25 / 10 / 2004


منذ أن بلغت الخامسة والخمسين من عمري وقد بدأ الشيب الأبيض يغزو معاقل السواد برأسي بدأت أتحسس الخطى إليه لم أكن فيما مضى أعيره أي اهتمام لكني رأيت تلك العجلة من أمره فأخذت أراقبه وقد بدأ يلملم أوراقه ومتاعه من حولي "نعم أنه ربيع العمر" أنه يستعد للمغادرة، وقتها أصبح هو شغلي الشاغل، حاولت جاهداً في أن أجعله ينتظر قليلاً لم أكن أعلم بعد سبب مخاوفه وإصراره المستميت علي المغادرة مبكراً يبدو أن هناك سبباً أجهله وهو يعلمه جيداً، يبدو أنه قد بدا مثلي يترقب ظهورها بين الحين والحين، نعم فقد حان موعد لقاء ثلاثتنا المحتم.

ففي بادئ الأمر كنت أسمع تلك الطرقات الخفيفة - والتي ظننت أني أسمعها وحدي لكنه كان يسمعها معي وأنا لا أعلم – ثم لم تلبث أن بدأت تلك الطرقات تزداد وضوحاً وسرعة وحدة إلى أن أصبحت ضجيجاً لا يحتمل وما أن حانت لها الفرصة بدأت في المضي نحونا فلا عوائق تمنعها ولا موانع تحول دون شأنها وفي لقاءنا الأول وجدتها كما أعرفها جيداً تقترب رويداً رويدا نحو هدفها تنسج عليه تجاعيدها وتنحت من معالم السنون بكل قسوة دون هوادة ما لم يمكن محوه وتترك في النفس جرحاً غائراً لا يندمل قلما يمكن تداويه لقد كانت شيئاً ظننت وقتها أنه بشعاً لقد بدأت بالفعل في قتله "نعم إنها هي الشيخوخة"؛ قاتل الله الشيخوخة كما قتلت ربيع العمر هجمت علية كوحش كاسر وأخذت تطعن فيه بكل شراسة وتغرس مخالبها في قلبه وكأن بينهما ثأراً قديماً, حاولت منعها والذود عما تبقى من ربيع العمر لكن هيهات قد باءات محاولتي المضنية جميعها بالفشل حينها كسا الحزن مظهري ورأيت العمر كبساط يسحب من تحت أقدامي.

أما الآن وقد مر علي عقدٌ آخر من الزمن وصرت في الخامسة والستين من عمري اكتشفت أني كنت مخطئاً في كل تخيلاتي فلم يكن أحد ليهرب من آخر ولم تكن هنالك جرائم قتل عمداً أو خطأً ولم تكن هنالك يوماً شراسة أو قسوة.

بل كان كل ما حدث هو قدري الإنساني في مروري بحياة طبيعية جداً جداً .. وكل ما مضى كان نتاج تلك المخاوف التي كان يرعاها بداخلي خوفي الأكبر من أعراض الشيخوخة وتوابعها من ثقل في الحركة وتخلي الذاكرة ومروري بحدث الخروج على المعاش وتوهم فقداني لأصدقاء العمر والتعرض للوحدة والنسيان في ظل هجر الأبناء.

أما الآن بعد أن توجهت إلي الله حاملاً ما تبقى من مخاوفي أبدو بحياة جيدة وصحة لا بأس بها فقد غمرني كم هائل من السكينة والطمأنينة وراحة النفس والمزيد من الرضا والقناعة وكثير من الأصدقاء و الخلان مع قليل من أعراض الشيخوخة...،


ليست هناك تعليقات: